في الوقت الذي هزّ فيه تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مشروع “إسرائيل الكبرى” الضمير العربي والإسلامي، وسارعت دول عربية وإسلامية عديدة إلى إدانته بشدة، وقفت البحرين صامتةً وكأن الأمر لا يعنيهًا. هذا الصمت ليس عابرًا، بل هو جزء من مسار سياسي متعمّد، يُقدّم مصالح التطبيع فوق الحقوق العربية، وفوق حتى الأمن الإقليمي نفسه.
ما هو مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي تحدث عنه نتنياهو؟
إنه ليس مجرد خيال استعماري قديم، بل هو مخطط توسعي صريح يطال فلسطين التاريخية بكاملها، ويمتدّ ليشمل لبنان والأردن، ومساحات كبيرة من سوريا والعراق والسعودية ومصر والكويت. وهو بذلك لا يهدد الفلسطينيين فحسب، بل يمسّ سيادة وأرض دول عربية شقيقة، بعضها على حدود البحرين نفسها.
في مواجهة هذا التهديد الصريح، آثرت البحرين الصمت. لم تصدر أي بيان أو إدانة، واكتفت – كي “لا تُحرج” – بالتوقيع على بيان جماعي مع 31 دولة عربية وإسلامية، وكأنها تبحث عن غطاء تُخفي وراءه عجزًا أو تواطؤًا مقصودًا.
هذا الموقف ليس سقوطًا أخلاقيًا فحسب، بل هو إخفاق استراتيجي وسياسي مدوٍّ. فبينما وقفت السعودية – الشقيقة الكبرى والقائدة الإقليمية – موقفًا واضحًا وحازمًا، رافضة المشاريع التوسعية ومؤكدة على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وحذّرت من تهديد الأمن الأقليمي والعالمي، غابت البحرين عن المشهد أو توارت خلف دبلوماسية الصمت.
بل الأكثر إيلامًا أن دولًا خليجية أخرى مثل الإمارات وقطر والكويت وسلطنة عُمان لم تتردد في إدانة المشروع، مما يضع البحرين في موقف منفردٍ ومُربك، وكأنها ترفض الانضمام إلى إجماع عربي خليجي واضح.
والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا هذا الصمت؟
الجواب لا يحتاج إلى كثير تحليل. فمنذ توقيع اتفاقيات إبراهام، والمفاوضات والتطبيع مع إسرائيل يسيران بخطى ثابتة لدى البحرين، حتى لو كان الثمن هو التغاضي عن الاستفزازات والمشاريع التي تهدد جيرانها وتُمزّق قلب العالم العربي.
يبدو أن أولويات المنامة قد تغيرت. فبينما كانت في السابق ترفع شعارات التضامن العربي وتؤكد – ولو لفظيًا – على تمسكها بالقضية الفلسطينية، ها هي اليوم تختار الصمت عندما يتعلق الأمر بمشروع يستهدف الأرض والسيادة. بل ها هي تتحرك بسرعة عندما يتعلق الأمر بالصفقات الدفاعية أو الاستعراض الدبلوماسي مع الجانب الإسرائيلي، بينما يتلاشى صوتها عندما يُنتهك الحق العربي وتُهدد الأراضي المقدسة.
لكن الخطر الأكبر ليس في انفصام السياسة الخارجية، بل في الفجوة المتسعة بين موقف النظام وموقف الشعب. فالشعب البحريني، مثل غيره من شعوب المنطقة، متعاطف بشكل تاريخي ومبدئي مع القضية الفلسطينية. لكن يبدو أن النظام فضّل إرضاء نتنياهو على احترام مشاعر مواطنيه.
في النهاية، فإن صمت البحرين ليس محايدًا. الصمت في السياسة موقف. وهو هنا موقف يُضعف الموقف العربي، ويُشرعن التطبيع حتى مع وجود مشاريع استعمارية توسعية، ويرسل رسالة مفادها أن بعض الأنظمة صارت مستعدة لتقديم الأمن القومي العربي كله قربانًا على مذبح المصالح الضيقة.
والسؤال، أي شرعية تبقى لنظام يختار الصمت عندما يتحدثون عن اقتسام أوطاننا؟